هدف النبوات - سماحة الشيخ طالب السنجري

* Tags:
* ARABIC
* IMAM


ولو اجتمع الأنبياء كلّهم في مكان واحد وفي زمن واحد لما رأيت اختلافا بينهم يذكر ، ذلك أنّهم معصومون فلا هوى لنفس ، ولا ارتكان لدنيا ، ولا قصر لنظرة ، ولا جنوح لشهوة ، وأنّ الذي يقودهم الى التوحّد هو المنهج الواحد ، والهدف الواحد.
هدف النبوات


لقد أرسل الله سبحانه أنبياء ، وأنزل كتبا، وباشر الأنبياء (ع) مهامّهم ، وكوّنوا امّة من الناس قامت معهم بمهمّة الدعوة الى توحيد الله وتثبيت ركائز التوحيد في الحياة.

وتناسقت حركة الأنبياء جميعا بوحدة المنهج ، ووحدة الهدف ، مع اختلاف طرائق العمل ، اذ لكلّ نبيّ ظروفه الخاصّة التي لا تشابه ظروف نبيّ آخر ، وذلك تابع لتغيّر الزمان والمكان ، وما يحتاجه الانسان وما لا يحتاجه ، تبعا لتجدّد أحواله ، وتبدلات حياته.

ولو اجتمع الأنبياء كلّهم في مكان واحد وفي زمن واحد لما رأيت اختلافا بينهم يذكر ، ذلك أنّهم معصومون فلا هوى لنفس ، ولا ارتكان لدنيا ، ولا قصر لنظرة ، ولا جنوح لشهوة ، وأنّ الذي يقودهم الى التوحّد هو المنهج الواحد ، والهدف الواحد.

ولقد ذكر الله سبحانه أهدافهم (ع) في كتابه المجيد (لفد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (1).

فلقد عيّر سبحانه بالكتاب ، بيد أنّه تعالى أرسل بيد كلّ نبيّ كتاب ، فهي اذن كتب كثيرة ، وليس هو كتاب واحد ، ليقول لنا أنّ جوهر هذه الكتب جوهر واحد ، وهدفها هدف واحد.

ولنا هنا بعد المقدمة الذي أوضحنا فيها أنّ هدف الأنبياء الرئيس هو التوحيد الخالص لله سبحانه ، والذي سينتج بالضرورة وحدة الكلمة بين الناس كلّ الناس ، أن نذكر بعض أهداف النبوات عبر التأريخ.

أولا: الهدف الاجتماعي

فلقد جهد أنبياء الله على تهيئة ظروف بناء المجتمع الذي يعيشون ، من خلال الكلمة الهادية ، أو من خلال ممارسة حكم ، أو ماتهيأ لبعضهم من ثروة.

ولقد مارسوا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من أجل النهوض بمجتمعاتهم ، وارساء العدالة والمحبة فيها ، بالطريقة التي يرونها.

ايمانا منهم أنّ المجتمع الصالح ، هو المجتمع المشبع بالمحبة والتآخي ، الذي يقوم على عمود الرقابة الاجتماعية ، والذي لا يرى فيه الفرد الاّ نحن المجتمع ، لا أنا الفرد ، وبذلك يكون عصيّا على الفتن ، مواجها للأعاصير مهما كانت عاتية ، وما الخيرية لأمّة الاسلام التي ذكرها الله في كتابه ( كنتم خير امّة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )(2) الاّ شاهدا على حيوية المجتمع ، وكبير دوره في ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الحضارية والانسانية ، وكان ذلك باءشراف رسول الله (ص) نفسه ، فخلق امّة واعية استجابت له، ونهضت معه للبناء ، واذا انتكست الامّة تفتقد تلك الخيرية اذ هي حالة ، قد مرّت بها الامّة في وقت من الأوقات ، فليست هي ملازمة لها على طول الطريق.

ثانيا: الهدف الثقافي والفكري

فقد كان أنبياء الله أوّل من أرسى مباديء الثقافة في مجتمعاتهم ، اذا أردنا من الثقافة هي مجموعة رؤى ، وقراءات في الكون والحياة والانسان.

واذا أردنا من الثقافة كذلك تزكية النفس الانسانية من الرذائل ، وتنقيتها من الشوائب ، بما يضاف اليها التعليم الذي يأخذ بيد المثقّف الى التماسك مع أعراف مجتمعه وقيمه ومثله العليا ، قال تعالى: (ويزّكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ) (3).

والدّين لوحده لا يمنح ثقافة بالمعنى المتعارف عليه اليوم ، فالجدير أن يفتح المتدين عينه على ما في الحياة من رؤى جديدة ، وان تقاطعت مع الدّين في بعض الخصوصيات ، ويثري تجربته بمّا شهدته الساحات الثقافية من نتاج خيّر ومفيد.

ثالثا: الهدف الأخلاقي

وهو الكفيل باءستمرار رسالة الأنبياء ، ووجهها الوضّاء الذي يذيب جليد مكابرة النفس الشرّيرة ، ويروّضها دون وقوفها بوجهه.

ولقد شهدنا الخطاب الربّاني لمحمّد (ص) شديد اللّهجة ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفظّوا من حولك ) (4) بمعنى أنّ الجهد الذي بذلته يا محمّد وما ستبذله سيذهب ادراج الرّياح اذا قدّمته بفظاظة!!

ولمن يسبر أغوار التشريعات السّماوية كلّها ، فيما يتعلّق بمعاملات الناس بعضهم البعض خاصّة يجد أنّ عنصر الأخلاق واضحا فيها.

ومن هنا اختصر نبيّنا (ص) بعثته بقوله : انّما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق.

ولقد صدق من قال : انّما الامم الأخلاق ما بقيت

فاءن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا


رابعا: الهدف العقيدي والسياسي

وتهدف رسالات الله ( أن لا اله الاّ الله ) ليس مجرّد ايمانا يعيشه المتدين في قلبه فحسب ، بل لابدّ له حضور في واقع الحياة ، فاذا كانت ( لا اله الاّ الله ) منهج حياة وتصوّر يحكم الوجود كلّه ، فلابدّ من العمل لتهيئة ظروف حاكمية هذا المنهج ، عبر الدعوة الى قبوله من خلال الحوار البنّاء ، والوسائل الحضارية التي تختصرها الآية المباركة ( لا اكراه في الدّين )(5).

فاءذا زويت هذه الحاكمية من الواقع السياسي والاجتماعي ، فليس باءستطاعة أحد أن يزويها من القلوب والضمائر.

الهوامش

1- سورة الحديد: 25
2- سورة آل عمران: 110
3- سورة آل عمران: 164
4- نفسها: 159
5- سورة البقرة: 256

شكراً ع الموضوع، رائع ويستحق القراءة

تقبل مروري وتحياتي

سلمت يداك وجزاك الله خيرا

عاشت على الموضوع الجميل

شكرآ جزيلآ لك طآلب السنجري